عادة ما يكون تعامل الأطفال مع الانترنت وتقنيات الكمبيوتر أكثر سلاسة
من والديهم. فالمدارس بدأت تدمج أدوات التكنولوجيا وصفوف الكمبيوتر في فصولها
والعالم الضيق بدأ يتسع شيئاً فشيئاً أمام أطفالنا من خلال شبكة الانترنت. ولا زال
عنصر السلامة وسط هذه البيئة المتداخلة مسألة فائقة الأهمية تشغل بال المربّين
شأنهم شأن الإعلاميين والساسة وعلماء الاجتماع وغيرهم. ولكن الحقيقة تظل أن هذه
التكنولوجيا المسماة بالانترنت تحفّ بفرص التعلم والخبرات المثرية أكثر مما تحف
بالمخاطر.
الأطفال والانترنت
من النصائح الشائعة للوالدين عدم السماح لأطفالهم بقضاء وقت طويل على
الانترنت. ولكن ذلك لا ينطبق على كل الحالات تلقائيا. فإذا كان الطفل منكباً على
مطالعة موسوعة ثقافية يتنقل بينها وبين كتب أخرى للتعمق في موضوع معين فلا شك أنك
لن تمانع.
وتسمّى هذه التجربة بالتعلم الذاتي للطفل. وهي من أفضل أنواع التعلم
لأنها تولّد لديه شعورا بالمتعة والحيوية والقوة. أما كونه يكتسبها على شاشة
الكمبيوتر بدلا من مكتبة ضخمة مليئة بالمجلدات والكتب المصوّرة فذلك لا ينقص من
أهميتها أوفائدتها في شيء.
إذن، فليس مربط الفرس في الساعات الطويلة التي يقضيها الطفل على
الانترنت وإنما في جودة ما يطالعه من جهة وفي الموازنة بينه وبين النشاطات الحياتية
الأخرى كالنشاط الرياضي والعلاقات الاجتماعية والعائلية والمسؤوليات الدراسية
والنوم الكافي.
المخاطر الناجمة عن استخدام الانترنت
هناك مسألتان مغايرتان فيما يتعلق بسلامة الانترنت، الأولى هي ما
يتعرض له أطفالك على الانترنت، سواء عن قصد (كدخول مواقع لا ترغب في إطلاعهم عليها)
أو عن غير قصد.
أما المسألة الهامة الثانية فهي الاتصال المباشر بين طفلك وشخص آخر
على الشبكة قد تؤدي إلى كشف طفلك لمعلومات قد تعرّضه أو أسرته إلى خطر شخصي.
ولعل أكثر ما يعجب الأفراد في التواصل عبر شبكة الانترنت هو عنصر
المجهول. فالأطفال يمكنهم التواصل مع أي أحد عبر الانترنت لا يحدّهم في ذلك مظهر
ولا عمر ولا أية جوانب أخرى قد تؤثر على التواصل الواقعي. وهو ما يضفي شعورا
بالحرية والانطلاق على العلاقات الناشئة عبر الانترنت، وكثيرا ما نقرأ تقارير عن
أحاديث راقية ومواضيع ناضجة تدور بين بالغين وأشخاص آخرين عبر الانترنت، يظنهم
البالغون كبارا ثم يكتشفون بعد ذلك أنهم مجرد أطفال أو مراهقين.
ولكن هذه العلاقات الانترنتية تتسم بطابع أكثر شخصية وحميمية من
العلاقات الشخصية الخارجية بسبب عنصر التخفي الذي يحرّر الأفراد من الحاجة إلى
التظاهر أو الحرج ويجعلهم ينطلقون بانفتاح وصراحة أكبر في هذه العلاقات. وقد تنشأ
علاقات حميمة للغاية عبر أحاديث الانترنت وحدها ويترسخ معها شعور عميق بالثقة في
الطرف الآخر المجهول. وهنا يكمن الخطر.
فهذه العلاقة الحميمة بكل تفاصيلها تنشأ مع شخص غريب، والحديث الذي
يدور بين الغرباء على الانترنت قد يكون كله صحيحا أو كله وهميا زائفا. وعندما تحين
لحظة الثقة وقرار اتخاذ الخطوة التالية نحو معرفة هذا الصديق المجهول يكمن الخطر
الأكبر. فالأطفال والكبار على حد سواء يجب أن يتوقفوا هنا ويميّزوا بين الحقيقة
والوهم ويعترفوا بالخطر الكامن في الكشف عن شخصياتهم الحقيقية أو الاتصال المباشر
بالطرف الآخر سواء عبر البريد الالكتروني أو الهاتف أو اللقاء المباشر. وإذا كان
للكبار حرية اتخاذ قرارهم بهذا الشأن، كما يقع على عاتقهم نتائج هذا القرار، فإن
الأطفال ليس لهم حرية اتخاذ مثل هذا القرار ولا ينبغي تركها لهم بحال من الأحوال.
السلامة على الانترنت
هناك الكثير من الاساليب التي تهيئ لحماية الأطفال من التعرض للمواقع
الإباحية والخلاعية وغيرها من المواقع غير المناسبة على الانترنت. ومن هذه الاساليب
التعرّف على البرامج التي تتيح رقابة أبوية على الانترنت واستخدامها لمنع برامج
ومواقع معينة. بامكانك ايضا استخدام خيار
تخزين ملف بعناوين المواقع التي تُزار على الانترنت
وتحقق منها مرة اسبوعيا على الأقل. تأكد من معرفتك للمواقع التي يدخلها أطفالك
والوقت الذين يقضونه فيها.
وبعبارة أخرى، هيّأ جهازك بطريقة تسمح لأطفالك باستخدام الانترنت
كمصدر للتعلم وليس كجهاز للتفاعل. وتذكّر أن قيمة الانترنت كلها تكمن في الجانب
التعليمي الثقافي وليس في الجوانب الأخرى. إذا لم تكن لديك معرفة بكيفية تهيئة
جهازك وضبطه لهذا الغرض، اتصل بالشركة المزوّدة بالخدمة لتطلب منها أن تشرح لك ذلك
خطوة بخطوة.
قواعد أساسية بسيطة
يكمن الخطر الآخر من استخدام الانترنت في كشف الطفل لمعلومات تسمح
لشخص ما بإرسال ايميل أو رسائل تتضمن تخويفا أو تحرشا أو تهديدا أو قد تسمح لشخص ما
بالاتصال بالطفل أو بأسرته. وكما أنك لن تقبل بإرسال طفلك إلى مدينة يقطنها 30
مليون بدون إشراف وقواعد أساسية، فإنك لن ترسله أيضا إلى مدن الانترنت الشاسعة بدون
قيود وقواعد مركزية.
إذا كنت ستسمح لطفلك بالتفاعل مع أشخاص آخرين عبر الانترنت، بأي شكل
من الأشكال، فعليك تحديد هذه القواعد الأساسية له بدقة ووضوح:
-
لا تكشف عن الرقم السري للاتصال بالانترنت لأي شخص بغض النظر عمن
يكون أو عمّن يدعي كونه.
-
لا تبح بأية معلومات شخصية عنك سواء اسمك أو عنوانك أو اسم والديك
أو رقم الهاتف أو اسم مدرستك أو أية تفاصيل أخرى.
-
لا ترسل صورا لنفسك أو لأي أحد من أفراد عائلتك أبدا عبر الانترنت.
-
لا تواصل حديثا يشعرك بعدم الارتياح مع أي شخص على الانترنت، سواء
كان لاتخاذ الحديث طابعا شخصيا أو اشتماله ألفاظا أو تلميحات غير لائقة. أغلق
الخط بكل ببساطة وانتقل إلى موقع آخر على الانترنت ثم أخبر والديك عما جرى.
-
أخبر والديك دائما عن أي اتصال يتضمن تهديدا أو ألفاظا بذيئة.
-
لا توافق أبدا على مقابلة أي شخص في أي ظرف من الظروف وأخبر والديك
حالا عن أي شخص يقترح عليك ذلك.
-
لا تقبل عروضا لمنتجات أو أية فرص أخرى تتلقاها عبر الانترنت بدون
موافقة صريحة من والديك.
-
لا تكشف عنوان سكنك لاستلام منتج ما بالبريد، اكتف برقم صندوق
البريد إذا استدعى الأمر.
-
تذكّر أن الأشخاص الذين تلتقيهم عبر الانترنت قد يكونون أي شخص من
أي مكان. خذ حذرك من أجلك ومن أجل عائلتك.
-
فكّر وأنت توضح لأطفالك هذه القواعد في الضعف الطبيعي للطفل إزاء
الكبار الذين يتمتعون بخبرة ومعرفة وقدرة في الإقناع للتأثير على الطفل. ولذلك
فإن شرح هذه القواعد للأطفال أمر سهل من حيث المفهوم ولكنه قد يكون صعبا جدا عند
التطبيق. فكّر في طرق تبني فيها الثقه بينك وبين طفلك ليحدثك
عن كل ما يقلقه.
سلوك المخاطرة على الانترنت
يمثل سلوك المخاطرة على الانترنت جزءا من عملية النمو التي يواجهها
الوالدان في كافة الجوانب المتعلقة بسلامة الطفل بما فيها الانترنت. وبسبب سمة
التخفي والسرية التي يتميز بها الانترنت، فإن كثيرا من الأطفال في سن المراهقة وما
قبل المراهقة يشاركون في غرف الدردشة "المثيرة" بالنسبة إليهم. وهم لا يتوانون عن
المحادثة مع أشخاص يصفونهم بالـ"منحرفين" أو "الفاسدين" ويثيرون معهم تحديات
ومواجهات قد تبلغ التواعد معهم وغير ذلك.
من الامور التي تتطلب منك التامل هي عند ملاحظتك
الاضطراب أو السرية التي يظهرها الطفل عندما تفاجئه وهو يستخدم الانترنت
أو انه يعمد الى غلق الشاشه اذا ما اقتربت منه فجأه او
اي سلوك يدل على ان الطفل لا يريد لك ان ترى مايوجد على الشاشه. فذلك ليس
سلوكا مقبولا ولا آمنا. أوضح لطفلك بشكل قاطع إنها ليست مسألة مراقبة ولا مسألة ثقة
وإنما مسألة سلامة فحسب، شأنها شأن منعه من قيادة الدراجة في أماكن خطرة.
تناقش مع أطفالك بصراحة ووضوح، عبّر لهم عن مشاعرك وسبب مخاوفك. اعقد
اتفاقا صريحا وواضحا بينك وبين أطفالك حول استخدام الانترنت. استعلم أبوة آخرين عن
الأساليب التي يستخدمونها لحماية أطفالهم. استخدم خيارات الرقابة الأبوية على
الانترنت وراقب المواقع التي يزورها أطفالك للتأكد من توقف هذا السلوك. إذا استمرت
المشكلة فمن الممكن ان تمنع طفلك من استخدام الانترنت
إلى أن تتوصل إلى اتفاق واضح معه وخطة سليمة لاستخدام
الانترنت بشكل ايجابي وفعال وآمن.
طالع الانترنت بنفسك، فذلك يفتح مجالا للتواصل بين الوالدين والأطفال
حول الانترنت. فالأطفال يرغبون في إدراكك لأهمية الانترنت بالنسبة إليهم. والانترنت
أكثر إغراء بالنسبة لهم من التلفزيون وسريعا ما يتحول إلى أداة لا مثيل لها بل
وصديق وربما مضيعة للوقت. ولذلك عليك أن تأخذ زمام المبادرة في هذا المجال وتكون
قادرا على توجيه أطفالك بين دهاليز هذا العالم الشاسع المسمّى الانترنت، وذلك
بالتمكّن من استخدام هذه الأداة والتمييز بين سلبياتها وإيجابياتها ومعرفة متى تضع
الحدود الفاصلة ومتى تفرض القيود الآمنة على استخدام أطفالك للانترنت وكذلك لتقييم
مدى استفادتهم منها وتشجيعهم على استغلالها لتنمية معارفهم وتوسيع خبراتهم ومداركهم
وتوجيههم ووقفهم متى انحرف استخدامهم لها عمّا ينفع إلى ما يضرّ.
|